الجمعة، ديسمبر 25، 2009

طاقة الشمس والرياح والعالم اليوم

طاقة الشمس والرياح والعالم اليوم
أ. د. مسلم شلتوت
أستاذ بحوث الشمس والفضاء
ونائب رئيس الاتحاد العربي لعلوم الفضاء والفلك
mosalamshaltout@hotmail.com
www.m-shaltout.com

تعتبر مصر من أغنى دول العالم في طاقة الشمس والرياح ، وهي طاقات متجددة ونظيفة وبديلة في عالم سوف ينضب منه البترول والغاز الطبيعي مع نهاية القرن الحادي والعشرين، وهما عماد الحضارة الإنسانية في القرن العشرين وحتى الآن. وبجانب نضوب الطاقات الأحفورية (البترول ـ الغاز الطبيعي ـ الفحم) فقد كانت أكبر ملوث للبيئة العالمية، والمصدر الأساسي لغاز ثاني أكسيد الكربون وهو المسئول الأول لظاهرة الاحتباس الحراري لجو العالم، وما نتج وما سينتج عنه من كوارث خطيرة تهدد الجنس البشري كله مع نهاية هذا القرن، إن لم تتدارك البشرية وبالذات الدول الصناعية الكبرى هذه الظاهرة الخطيرة وتلتزم بتقليل انبعاث غازات الدفيئة الأرضية، والالتزام بالمعاهدات الدولية ومنها معاهدة كيوتو باليابان عام 1997، وإلا وصلت البشرية بأكملها إلى نقطة اللاعودة وفقد السيطرة على جو العالم وتسارع ظاهرة الاحتباس الحراري نتيجة لتحرر ثاني أكسيد الكربون والميثان من ذوبان جليد أقطاب الأرض .
تملك مصر أعلى معدل سطوع للشمس في العالم بما يتجاوز ثلاثة آلاف ساعة في العام وبدخل من الطاقة الشمسية مقداره 6 كيلووات ساعة على المتر المربع في اليوم كمتوسط على مدار السنة وكمتوسط للمناطق المناخية المختلفة في مصر.
وتتميز مناطق كثيرة على ساحل خليج السويس والبحر الأحمر بسرعة رياح عالية واقتصادية تبلغ عشر متر في الثانية كمنطقة الزعفرانة ورأس غارب وهي من أعلى السرعات للرياح في العالم كدول إكسندنافيا وبحر البلطيق والشمال.
كما أن سرعة الرياح على سواحل البحر المتوسط ابتداء من العريش وحتى السلوم يبلغ معدلها سبع متر في الثانية وسرعة الرياح فوق هضبة شرق العوينات 5.5 متر في الثانية وهي أيضا اقتصادية لاستغلالها كطاقة متجددة.
في عام 1985 كانت خطة الدولة هي تغطية 5% من احتياج الإنسان المصري من الطاقة عام 2000 عن طريق استغلال طاقة الشمس والرياح. وجاء عام 2000 ثم عام 2005 ثم نحن الآن في عام 2007 ولم يتحقق حتى الآن تغطية حتى 1% من احتياج الإنسان المصري من الطاقة من استغلال طاقة الشمس والرياح. بل أن معظم مشاريع طاقة الشمس كانت فاشلة في مصر وعلى سبيل المثال لا الحصر :
1ـ المشروع الألماني لضخ المياه في بئرين بوادي النطرون عن طريق نظام فوتوفولطي بقدرة 35 كيلووات لري عشرة أفدنة من الموز والجوافة كمشروع إرشادي.
2ـ المشروع الإيطالي الإرشادي لضخ المياه بشرق العوينات عن طريق نظام فتوفولطي بقدرة مائتين كيلووات لري مائتي فدان من الأرض المستصلحة.
3ـ المشروع الفرنسي لإنارة وتوفير الكهرباء للاحتياجات المنزلية بأحد القرى التابعة لواحة باريس جنوب الخارجة.
4ـ مشروع السخانات الشمسية بقرية ميت أبو الكوم بمحافظة المنوفية.
وكان هذا الفشل نتيجة للآتي :
1ـ عدم وعي وفهم وتقبل الإنسان المصري لاستغلال طاقة جديدة نتيجة لعدم التوعية والإرشاد من الجهات الحكومية.
2ـ عدم المتابعة والصيانة بل وأحياناً الإهمال من الجهات المختصة.
3ـ الدعم الحكومي للكهرباء ومشتقات البترول والغاز الطبيعي مما يجعل الفارق كبير بين طاقة الشمس والطاقة التقليدية حيث أن الحكومة تقدم دعما لمجال الطاقة تجاوز الخمسين مليار جنيه سنوياً !!!
ورغم ذلك فلا بد أن نذكر أن هناك مشروعين ناجحين هما :
1ـ مشروع توليد الكهرباء من طاقة الرياح بالزعفرانة والذي وصل الآن إلى إنتاج كهرباء بقدرة 230 ميجاوات تغذي الشبكة القومية للكهرباء وهو أكبر مشروع لاستغلال طاقة الرياح على مستوى إفريقيا.
2ـ مشروع توليد الكهرباء من طاقة الشمس بالكريمات عن طريق أنظمة حرارية باستخدام المركزات الشمسية بقدرة 120 ميجاوات (نظام مهجن مع الغاز الطبيعي).
يشكل البترول والغاز الطبيعي في مصر 95% من الطاقة المستهلكة بينما تشكل المساقط المائية وطاقة الشمس والرياح والكتلة الحية النسبة الباقية. والحقيقة أن موارد مصر من الطاقة الأولية متواضعة حيث يبلغ حجم الاحتياطي المؤكد من البترول نصف مليار طن، بينما يبلغ الاحتياطي العالمي 156 مليار طن ونسبة مشاركة مصر في الاحتياطي العالمي 0.3% . ويبلغ حجم الاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي في مصر 1.9 تريليون متر مكعب ويبلغ الاحتياطي العالمي 176 تريليون متر مكعب ونسبة مشاركة مصر 1%.
وعلى أحسن تقدير فإن الاحتياطي المؤكد للبترول سينفذ في مصر بعد 15 عام والاحتياطي المؤكد للغاز الطبيعي سينفذ في مصر بعد 35 عام.
كان إنتاج محطات توليد الكهرباء للسد العالي وخزان أسوان بقدرة 2745 ميجاوات تشكل 70% من كهرباء مصر في بداية السبعينات في القرن الماضي وهي الكهرباء التي ملئت قرى وريف مصر نوراً ودفعت عجلة التنمية الصناعية والزراعية. والآن ومع زيادة عدد السكان لمصر (حوالي 75 مليون) ومع زيادة معدل استهلاك الكهرباء للإنسان المصري للكهرباء وهذا دليل تقدم حيث يقاس تقدم الأمم الآن بمعدل استهلاك الإنسان للكهرباء والطاقة، فقد أصبح اليوم إنتاج مصر في طاقة الكهرباء حوالي عشرين ألف ميجاوات، لا تغطي كهرباء السد العالي وخزان أسوان منها الآن سوى نسبة صغيرة، أما الباقي فتغطيه المحطات الحرارية لتوليد الكهرباء التي تعمل بالغاز الطبيعي أو المازوت أو بالاثنين معاً. ومعدل زيادة استهلاك الكهرباء في مصر حالياً هو 7% في العام الواحد.
ومن الواضح أن مصر سوف تواجه مشكلة كبيرة في الطاقة والكهرباء خلال العقود القادمة إن لم يكن هناك خطة قوية وجادة لمواجهة هذه المشكلة من الآن. وقرار عودة البرنامج النووي المصري للاستخدامات السلمية لتوليد الكهرباء في المحطات النووية هو قرار حتمي واستراتيجي لتوفير طاقة بديلة ونظيفة وآمنة ورخيصة، بعد أن تطورت تكنولوجيا المحطات النووية بعد حادثة تشرنوبل عام 1986 ليصبح معامل الأمان النووي مستوى عالي جداً، كما أنه في ظل الارتفاع المطرد للبترول والغاز الطبيعي تصبح الكهرباء في المحطات النووية هي الأرخص ولا سيما أن العمر الافتراضي لهذه المحطات اصبح الآن يتراوح ما بين 40 و60 عام. أما مقولة أن الوقود النووي سينفذ بعد 60 أو 65 عام فقد أصبحت مقولة قديمة في ظل التطور الحديث للمفاعلات النووية والذي بدأت بعض الدول المتقدمة الدخول فيه اعتماداً على الانصهار النووي بدلاً من الانشطار حتى أنه يجرى التفكير الآن في الحصول على الهيليوم 3 كوقود نووي من القمر لهذه المفاعلات ويومها سيكون للبشرية طاقة نظيفة بلا حدود بلا مخلفات نووية مشعة، وبلا مشاكل بين الدول حيث أنه لا يمكن تصنيع رؤوس نووية من هذه المخلفات ولا احتياج لتخصيب اليورانيوم.
أما أن تغطي الطاقات المتجددة بما فيها طاقة الشمس والرياح 20% من احتياج الإنسان المصري من الطاقة عام 2020 كما أعلن عنه فإنه أمل ليس بعيد الأمد أو التحقيق. وللنظر للعالم من حولنا الآن .
إن آخر دراسة نشرتها المجلة الدولية لطاقة الشمس والرياح في العدد الثالث لعام 2007 تشير إلى أن الدول العشر الأكثر استخداماً للسخانات الشمسية هي حسب الترتيب (الصين ـ الولايات المتحدة ـ تركيا ـ ألمانيا ـ اليابان ـ أستراليا ـ إسرائيل ـ اليونان ـ النمسا ـ البرازيل) مع أن كثير من هذه الدول لا يتمتع بالقدر الذي تتمتع به مصر من الطاقة الشمسية. والشئ المذهل أن الصين عام 2005 بلغ إنتاجها عن طريق الأنظمة الحرارية الشمسية قدرة مقدارها 52 جيجاوات (52 ألف ميجاوات). أما الولايات المتحدة فقد وقفت عند قدرة 21 جيجاوات.
والآن كان مقرر في مصر أن تستخدم السخانات الشمسية على مستوى كبير في المدن والمجتمعات العمرانية الجديدة وفي القرى الساحلية على الساحل الشمالي وسيناء والبحر الأحمر، ولم نصل إلى ما وصلت إليه إسرائيل (3 جيجاوات). فهل القرى السياحية المملوكة لشركات أجنبية أو مصرية تستحق الدعم في الكهرباء !!! وهل مجتمعات الصفوة كمجتمع مارينا على الساحل الشمالي وغيرها تستحق الدعم ؟!! الدعم يجب أن يكون للفقراء فقط. ومادام هناك دعم للكهرباء والغاز الطبيعي فلن يكون هناك انتشار فعلي للسخانات الشمسية في القرى السياحية والمدن الجديدة !!! رغم صدور قرار لوزير الإسكان بضرورة تركيب هذه السخانات الشمسية بالمدن والمجتمعات العمرانية الجديدة والقرى السياحية عام 1990.
الشئ الغريب أن معدل إنتاج الصين للسخانات الشمسية عام 1999 هو خمسة مليون متر مربع لتعطي طاقة حرارية بقدرة 3.5 جيجا وات زادت إلى 20 مليون متر مربع لتعطي طاقة حرارية بقدرة 14 جيجاوات عام 2006. مع العلم بأن السخانات الشمسية لا تحتاج إلى تكنولوجيا عالية بل يتم تصنيعها في مصانع وحتى ورش للقطاع الخاص في الأردن وقبرص وتركيا واليونان على أساس أنها دول فقيرة في الطاقة التقليدية وليس هناك دعم من الحكومات في مجال الطاقة. ولم تكتفي الصين بذلك بل قامت بتصدير سخانات شمسية للخارج بمقدار 600 ألف متر مربع عام 1999 ووصلت عام 2006 إلى تصدير سخانات شمسية بمقدار 2 مليون متر مربع.
أما استخدام الطاقة الشمسية في توليد الكهرباء عن طريق الأنظمة الفوتوفولطية والتي يعتمد على الخلايا الشمسية (الألواح الكهروشمسية) فأصبحت مصدر للطاقة الكهربائية في دول لا تصل إلى مستوى الثلث في سطوع شمس مصر ومنها على سبيل المثال ألمانيا وفرنسا وأصبحت عمارة المنازل الزرقاء منتشرة في كل أوروبا الغربية والولايات المتحدة واليابان (زرقاء نسبة إلى اللون الأزرق للخلايا الشمسية البلورية).
وعلى سبيل المثال فإن إنتاج فرنسا من الخلايا الشمسية زاد من 1.4 ميجاوات عام 2000 إلى 14.4 عام 2006 ومن المتوقع وصوله ما بين 20 إلى 25 ميجاوات عام 2007. كذلك زاد إنتاج فرنسا للأنظمة الحرارية الشمسية من 4.4 ميجاوات عام 2000 إلى 154 ميجاوات عام 2006 ومن المتوقع وصوله إلى 192 ميجاوات عام 2007.
وأيضاً على سبيل المثال بلد ككوريا الجنوبية فإن إنتاجها من الأنظمة الفوتوفولطية (الألواح الكهروشمسية) لتوليد الكهرباء مباشرة من طاقة الشمس كان لا يتعدى ثلث ميجاوات عام 1993 قفزت إلى نصف ميجاوات عام 2000 ثم إلى 2.5 ميجاوات عام 2004 ثم إلى 5 ميجاوات عام 2005 وهذا يعكس الاهتمام العالمي باستخدام الألواح الكهروشمسية لتوليد الكهرباء ولو حتى في المناطق النائية حيث تصبح هذه الأنظمة منافسة للطاقات التقليدية نتيجة لصيانتها التي لا تذكر مقارنة بمولدات الديزل .. وأيضاً ارتفاع أسعار البترول والغاز الطبيعي.
أما إذا أتينا إلى طاقة الرياح فإن إنتاج الكهرباء منها في ألمانيا بلغ قدرة 2233 ميجاوات (حوالي 80% من إنتاج السد العالي وخزان أسوان من الكهرباء) تليها أسبانيا بإنتاج بقدرة 1587 ميجاوات ثم فرنسا بإنتاج بقدرة 810 ميجاوات تدفع جميعها في الشبكات القومية لهذه الدول.
إن ثمن الكهرباء المنتج من طاقة الرياح الأنظمة الشمسية الحرارية تقترب حالياً من أسعار الكهرباء المنتجة من المحطات الحرارية التي تعمل بالغاز الطبيعي أو المازوت. أما الطاقة الكهربية المنتجة من الطاقة الشمسية بالأنظمة الفوتوفولطية فقد تصل إلى خمس أضعاف ثمن الكهرباء في المحطات الحرارية ولذلك تستخدم في المناطق النائية ومع التطور الحادث في تصنيع الخلايا الشمسية البلورية واللابلورية فإنه يتوقع نزول درامي في سعر هذه الخلايا وبالتالي الطاقة الكهربية المنتجة بها خلال السنوات القادمة.
منذ عشرين عام وبعد المؤتمر الدولي الدوري للجمعية الدولية للطاقة الشمسية ISES والذي عقد في سبتمبر 1987 بمدينة هامبورج بألمانيا وما تلاه نادينا بأهمية توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية الساقطة على الصحراء المصرية سواء بالأنظمة الحرارية أو الأنظمة الفوتوفولطية أو سواء بتحويل الطاقة الشمسية إلى هيدروجين وبالذات عند الضفة الغربية لبحيرة ناصر شمال توشكى والذي نشرته على العالم كله في المجلة الدولية لطاقة الهيدروجين عام 1998 بالولايات المتحدة الأمريكية.
ومنذ عام 1992 جاء لمصر في ندوات وزيارات الدكتور مهندس هيرمان شير عضو البرلمان الاتحادي الألماني والبرلمان الأوروبـي ورئيس المنظمة الأوربية للطاقة الشمسية EuroSolar وتقابل مع العديد من المسئولين والوزراء وتناقش عن إمكانية التعاون ما بين ألمانيا ومصر في مشاريع عملاقة للطاقة الشمسية وكانت ردود الفعل بعضها إيجابي وبعضها سلبي لدرجة مخزية.
وكنا نعلم أن هناك تنافس ما بين دول شمال إفريقيا للفوز بمثل هذه المشاريع للتعاون مع الاتحاد الأوروبي بصفة عامة وألمانيا بصفة خاصة في مشاريع عملاقة للطاقة الشمسية ونبهنا إليها ولكن البيروقراطية المصرية كانت أدنى من مستوى التنافس وأقل بكثير من استيعاب الدرس !!!
وفي النهاية .. أعلنت وسائل الإعلام منذ أيام .. عن مشروع القرن .. وهو إقامة مشروع عملاق في الصحراء الجزائرية مع ألمانيا بتكلفة 26 مليار يورو لنقل الطاقة الشمسية من هذه الصحراء إلى ألمانيا عبر جزيرة سردينيا ومنها لإيطاليا وسويسرا ثم ألمانيا لإنتاج كهرباء بقدرة 6 جيجاوات.
إلى متى سنظل نائمين .. إلى متى سنظل غافلين .. والعالم يتغير من حولنا بطريقة سريعة .. وإلى متى ستظل البيروقراطية تقدم مصلحتها على مصلحة الوطن .. وتضيع الفرص .. وهل من وقفة لأجل مصر .. ولأجل الأجيال القادمة.
وعلى الله التوفيق.
علوم

ليست هناك تعليقات: